مصراوي –رنا الجميعي:
الأربعاء 28 سبتمبر 2016
\ترك الملايين من السوريين بلادهم هربًا من وطأة الحرب، غادروا بيوتهم التي عاشوا فيها سنين، انمحت آثارهم من طُرقات مدنهم، لم تعد أصواتهم هناك، كذلك أجسادهم صارت بمكان آخر، يُحاولون العيش مرة أخرى بعيدًا عن دويّ الصواريخ والقنابل، ظلّت ذكرياتهم تحمل روائح وصور من حياتهم السابقة،لم ينسوا الشوارع التي داسوا فيها بأقدامهم، ولا الطرقات التي سافروا بها، غير أن الذكريات تظل قديمة لا مكان لتجددها مادامت هناك حرب، وهو ما حاول التمرد عليه “سيمون صفيه”، صانع أفلام، حين أهدى صديقته “رؤى” بعيد ميلادها فيديو مُصوّر للطريق بين دمشق والسويداء.
بتاريخ 29 فبراير 2016، قام سيمون بتصوير الطريق بين دمشق والسويداء، كان الشاب بطريقه لإحدى مهام العمل بالمدينة التي تبعد عن العاصمة 90 كيلو، وبين حواجز الجيش المتعددة على الطريق، أخرج سيمون جهاز “الآيباد”، وبدأ بتصوير الحقول الخضراء، والبيوت الصغيرة، السماء الصافية توحي أن لا حرب اليوم، وأن هذا الطريق لم يمسسه دمار.
بداية هذا العام سافرت رؤى إلى هولندا، من خلال الهجرة غير الشرعية، لتُكمل دراستها مع أخيها المقيم هناك، يقول سيمون إن رؤى صديقته القادمة من السويداء لتدرس بالعاصمة “كانت قريبة من سكني، بالحارة اللي جمبي”، لكنها هاجرت وظلّ هو بدمشق، يصنع أفلامًا وثائقية، يتذكر الشاب كيف شعر بالقلق حينما غادرت صديقته سوريا “كتير كانوا راحوا بالبحر، وإذا حدا سافر بتحط ايدك على قلبك”، بسلام وصلت رؤى هولندا “صار احتفال لما وصلت”.
مع اقتراب عيد ميلادها بمارس الماضي، احتار سيمون عما يُمكن أن يُهديه لرؤى “خطر ببالي إني أصور لها هادا الطريق، هي أكيد مشتاقة إله”، أسبوعيًا كانت الفتاة تقطع هذا الطريق لرؤية أهلها بالسويداء “هي مستأجرة أوضة بدمشق للدراسة”.
بآخر فبراير الماضي صوّر سيمون الفيديو الخاص الطريق بين المدينتين، ومع حلول عيد ميلاد رؤى، قام بعمل مونتاج للفيديو، ووضع عليه أغنية “تغيرتي” للفرعي، الذي يُغنيها لبلده الأردن”احنا الاتنين بنحب هادا النمط من الميوزيك، حتى بسوريا عنّا فرق تلعب روك وموسيقى بديلة، بس غالبيتهم سافروا”، رفع سيمون الفيديو على قناته بموقع “يوتيوب”، كتب على الفيديو “على الطريق بين دمشق والسويداء، سجلت هذا الفيديو لفتاةٍ من السويداء، سافرت بسبب الحرب إلى هولندا، قد تكون اشتاقت لهذا الطريق .. لا أدري”.
بعد ذلك قام سيمون بتصوير العديد من طرق سوريا، رغم أن التصوير بسوريا أصبح أمر حساس، لكن عمل الشاب السوري بمجال الأفلام، جعله يعتاد التصوير دون خوف، يصطحب معه التصريحات اللازمة كصانع أفلام، رغم حواجز الجيش وخطورة الطرقات في الليل، والمناطق الممنوعة من التصوير.
“ع الطريق” هو الاسم الذي منحه سيمون للفيديو، صار ذلك الاسم “تيمة” كما يقول صانع الأفلام، حيث منحه عمله ضرورة السفر بين المدن السورية، ومنذ أيام قليلة رفع سيمون الفيديو الثاني، هذه المرة كان الطريق بخارج حلب وداخلها هو بطل الصورة، على أنغام أغنية “لحن بسيط” لفرقة “أيلول”، كانت حلب مُحاصرة لعام ونصف كما يذكر سيمون، وفي يوم 18 سبتمبر الحالي فُتح الطريق بحلب “حبيت أصور للعالم اللي إلهم سنين ما شافوا حلب”.
قول كلمات الأغنية “كل ما بتطلع علينا شمس نهار.. بيطلع جوع.. حرب جديدة ودمار، أرخص شي صار الإنسان، وريحة الدم بكل مكان”، يُصوّر الفيديو الطريق خارج حلب بالأبيض والأسود المتناثر عليه عدد من المباني المدمرة، ثم تدخل الكاميرا للمدينة، بها محال كثيرة مُغلقة وسيارات محطمة، وأوجه ناس عابسة.
في أوقات فراغه يقوم سيمون برفع الفيديوهات المُناسبة بعد تقطيع المشاهد ووضع أغنية مناسبة كخلفية، لن يتخذ تلك الفكرة كمشروع دائم له “أنا بالأساس بعمل أفلام مستقلة”، ورغبته بصناعة تلك الفيديوهات المصورة هو تلبية لحاجة أحسّها لدى سوريين كُثر “وأنا عندي القدرة لألبيها”، هناك فيديوهات أخرى يريد رفعها عن اللاذقية وحمص ومدن أخرى، لكنه منتظر الوقت المناسب لعملها “بحس فكرة الفيديو كأنّو شاب رايح على مشوار وحاطط سماعة بأذنه وبيسمع الموسيقى وعم يطلع م الشباك، بيشوف المشهد ياللي ادامه”.